أمن الطيران… مسؤولية سيادية لا تُختزل
كتب:إبراهيم عدلان
في خضمّ التحولات التي يشهدها قطاع الطيران المدني، تطفو إلى السطح بين الحين والآخر محاولات لإعادة توزيع الأدوار على نحو ربما يفرّغ المؤسسات من مهامها الجوهرية، ويُقصي السلطات السيادية عن مواقعها الطبيعية، وفي قلب هذا المشهد، تبرز محاولة نقل وظيفة أمن عمليات الطيران من سلطة الطيران المدني إلى شركة تشغيل المطارات.
إننا هنا لا نتحدث عن مسألة إدارية عابرة، بل عن أمن الدولة القومي، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالموقع الطبيعي والمنطقي والاستراتيجي لأمن الطيران هو تحت مظلة سلطة الطيران المدني، الجهة السيادية المخوّلة بتنظيم وضبط المجال الجوي، وليس أي جهة خدمية مهما بلغت أهميتها التشغيلية.
المرجعيات الدولية لا تحتمل التأويل
في هذا السياق، من المهم التذكير بأن الملحق 17 لاتفاقية شيكاغو، والوثائق المرتبطة به، قد رسمت حدود الاختصاص بوضوح، منها:
• القاعدة 3.1.10: تنص على أن الدولة مسؤولة عن توفير التدابير الأمنية داخل المطارات، بما يشمل نقاط التفتيش والمناطق المحظورة، ويجب أن تُمارس هذه الصلاحيات من قبل سلطة مخوّلة، لا من قبل الشركات.
• القاعدة 3.2.2: تلزم الدول بتعيين “سلطة مسؤولة” عن الإشراف والتنسيق والتنفيذ الكامل لبرنامج الأمن الوطني للطيران المدني.
• وثيقة الإيكاو 8973 (دليل أمن الطيران): تُحدد بجلاء أن الجهة المعنية بتنفيذ السياسات الأمنية ومراجعتها هي السلطة المختصة، وليس مشغّل المطار.
الأمن الوطني لا يُخصخص
ما يجب إدراكه – بل التذكير به – أن الجمعية العمومية للإيكاو في دورتها الـ39 (القرار A39-18، عام 2016) أكدت أن أمن الطيران هو جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن الوطني للدول، وأن من واجب الحكومات حماية هذا القطاع من أي تسيّب أو تداخل وظيفي.
بل إن قرار مجلس الأمن رقم 2309 (لعام 2016) ذهب أبعد من ذلك حين ربط بين أمن الطيران ومكافحة الإرهاب، مشددًا على ضرورة أن تضطلع الدولة عبر أجهزتها السيادية بمسؤولية الرقابة والتنفيذ الأمني، لا أن تُترك لمقدمي الخدمات.
إزاء هذه الوقائع والمبادئ الثابتة، نقولها بوضوح لا لبس فيه إن أمن الطيران خط الدفاع الأول عن سيادة الدولة، ومسؤولية استراتيجية ستبقى – كما أرادتها المواثيق الدولية – في حضن السلطة السيادية، سلطة الطيران المدني.